كلمة رئيس الهيئة

تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة ومنذ تأسيسها برنامجاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً يعتبر نتاجاً للعديد من التجارب التي خاضها المؤسسون وثمرة للجهود المضنية التي بذلوها لمواجهة التحديات التي هدّدت أمن واستقرار المنطقة، والتي تجسدت على صورة أطماع متوالية للسيطرة على المنطقة واستغلال موقعها الاستراتيجي في قلب الخليج العربي وسلب ثرواتها ونهب خيراتها النفطية ، وقد بذل القائد المؤسس الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله) وإخوانه حكام الإمارات –آنذاك- جهوداً جبارة لتوحيد -ما كان يعرف وقتها- بالإمارات المتصالحة - وإرساء دعائم الإتحاد بينها في نموذجٍ فريدٍ من نوعه للدولة الفيدرالية الحديثة التي تجمعها الأهداف والتطلعات والمصير المشترك في إطارٍ من التكامل والانسجام.

وتقوم دولة الامارات بدورها السياسي انطلاقاً من رغبتها الأكيدة في بناء علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية على المستوى الإقليمي والعالمي لذا وضعت رؤية سياسية واضحة تحقق استقرارها الداخلي وتضمن أمنها وأمن دول الخليج العربي حيث ارتكزت في سياستها الداخلية على ترسيخ مبدأ التعايش السلمي والتسامح الثقافي والديني بين سكانها والمقيمين على أراضيها وارتكزت سياستها الخارجية على قواعد استراتيجية ثابتة على رأسها التزامها الجاد بالمواثيق والقوانين الدولية وإقامة علاقات مع جميع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والدعم اللامحدود للسياسات الإقليمية والدولية التي تدعو إلى العيش المشترك والحرية والأمن والسلام لجميع شعوب العالم وهذا ما ساهم في تعزيز شراكاتها الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية والمعرفية والتكنولوجية مع معظم دول العالم.

أما بالنسبة للدور العسكري فقد حرصت الدولة على تبني رؤية عسكرية وأمنية جعلتها قادرة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال توفير الحماية الكاملة للاتحاد وحدوده البرية والبحرية والجوية وتوفير الغطاء الأمني الكامل للمقدرات والمكتسبات والإنجازات الوطنية آخذة بعين الاعتبار كافة الظروف والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي عصفت - ولا تزال – بمعظم دول العالم وأثرت تأثيراً كبيراً على خارطة الأمن العالمي عموماً وأمن دول الخليج العربي خصوصاً.

وتأكيداً على رؤية الدولة السياسية والعسكرية والأمنية ورغبتها الأكيدة في أن تكون قوة اقليمية فاعلة في مواجهة المخاطر الأمنية المحتملة أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة (حفظه الله) القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2014 بشأن الخدمة الوطنية والاحتياطية ، وترتكز الخدمة الوطنية والاحتياطية في دولة الامارات على فكرة بناء وتعزيز قدرات أبناء الوطن من خلال التدريب والتأهيل العسكري وفقاً لأفضل الممارسات العالمية بهدف إعداد جيل قوي قادر على حمل السلاح والدفاع عن وطنه، وذلك من خلال أعداد المجندين الذين سيشكلون مع مرور الوقت (احتياط وطني قادر على دعم متطلبات الأمن الشامل) وعليه تعتبر الخدمة الوطنية (رافداً أساسياً للقوات المسلحة والجهات الأمنية من العناصر البشرية المدربة والمؤهلة والتي من شأنها المساهمة في تعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية والأمنية للدولة في السلم والحرب ودعم متطلبات الأمن الشامل).

وبالنسبة للعوائد الاستراتيجية المرجوة من الخدمة الوطنية والاحتياطية فعلى الصعيد العسكري ستساهم الخدمة الوطنية في تعزيز قدرات الدولة العسكرية والدفاعية بما يجعلها قادرة على حماية والدفاع عن حدود الدولة براً وبحراً وجواً والحفاظ على سيادتها ومكتسباتها الوطنية وردع أي عدوان عسكري عليها كما أن قوة الاحتياط التي سيتم تشكيلها ستكون بمثابة قوة دفاع وطني اضافية ستعزز مفهوم (الردع) وتضاعف قدرات القوات المسلحة والارتقاء بها وتمكينها من القيام بدورها في توفير الحماية لأركان الدولة. 

واقتصادياً سيكون للخدمة الوطنية / البديلة التي تؤدى بصفة مدنية ممن لا تتوفر لديهم شرط اللياقة البدنية لأداء الخدمة بصفة عسكرية دور كبير في دعم استمرارية الأعمال في القطاعات الحيوية كقطاع الطاقة والخدمات والمنافذ الحدودية من مطارات وموانئ وغيرها أثناء الطوارئ والأزمات والكوارث التي قد تتعرض لها الدولة (لا قدر الله) من خلال رفد هذه القطاعات بالحد الأدنى من الكوادر البشرية المؤهلة القادرة على إدامة العمل فيها باعتبارها شريان الحياة وعصبها الحيوي ومن هنا يمكن القول بأن الخدمة البديلة ستمثل خط الاسناد والدعم  لاستمرارية القطاعات الحيوية في الدولة وإدامة عملياتها التشغيلية والانتاجية.

وسياسياً يمكن القول بأن تعزيز القدرات العسكرية والدفاعية والأمنية للدولة سيعزز الحضور السياسي للدولة في المحافل الإقليمية والعالمية بما يمكنها من القيام بدورها كعضو فاعل في المجتمع الدولي من خلال استخدام قوتها وامكانياتها في تنفيذ أعمال الإغاثة وحفظ السلام وتقديم المعونات للدول والمناطق المنكوبة حول العالم كما سيدعم جهودها في محاربة الإرهاب والتطرف اللذان يشكلان خطراً حقيقياً على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي.  

واجتماعياً ستعالج الخدمة الوطنية جنباً إلى جنب مع الجهات المعنية بالدولة العديد من التحديات التي خلفتها العولمة والانفتاح الاقتصادي والثقافي على العالم وستعمل على المحافظة على الهوية الوطنية وتصحيح المفاهيم الفكرية والثقافية لدى الشباب كما ستعمل على حشد الطاقات الوطنية لهذه الفئة والارتقاء بها كما ستساهم في زيادة إنتاجية الشباب والارتقاء بقدراتهم البدنية والصحية والنفسية وستصقل شخصيتهم وتعزز ثقتهم بنفسهم وتزيد من ارتباطهم بقيادتهم وتحصنهم من المفسدات الفكرية والعقائدية والطائفية والمذهبية التي تهدف النيل من أمن البلاد واستقرارها.

وأخيراً أذكر شباب الوطن بأنّ حب الوطن لا يكون إلا من خلال الولاء المطلق لقيادته والعمل المخلص لخدمته والتخلق بالأخلاق الحميدة والتمسك بالقيم والعادات والتقاليد الأصيلة وأؤكد لهم أن ثقة القيادة بقدراتهم وإمكانياتهم لا حدود لها فعليكم أيها الشاب ببر الوطن والتنافس لخدمته والدفاع عنه والذود عن حماه بكل ما آتاكم الله من عزم وقوة.

حفظ الله الوطن ، وحفظ الله سيدي رئيس الدولة وأدامه ذُخراً وعزاً لنا جميعاً.

 

اللواء الركن طيار /
أحمد بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية
أحمد بن طحنون آل نهيان